كتاب دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب سلفية لا وهابية

وأنا أعذب في الحياة وليس لي ... يا أم دفر مابه أقتات
في هذا الليل الذي أرخى سدوله، وزادت ظلمته، وتباعد فجره –نفتقد أمثال شيخ الإسلام "محمد بن عبد الوهاب" رحمه الله، لقد نهض داعية الجزيرة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب في بيئة تشبه ما نحن عليه الآن، فالناس في "نجد" قد عادوا إلى الجاهلية الأولى، عادوا إلى حياة العزو والنهب والسلب، التي وصفها شاعر الجاهلية فقال:
وأحيانا على بكر أخينا ... إذا لم نجد إلا أخانا
عادوا إلى الشرك، وعبادة الأحجار والأشجار، لتقربهم إلى الله زلفى، فناس يهيمون ويشدون الرحال إلى قبر زيد بن الخطاب، وآخرون يتوجهون إلى الشجرة المقدسة يسألونها أموراً هي من حقوق الله وحده، وناس يذبحون لغير الله.
والعلماء جمود على الخرافة والتقليد، قد ألفوا هذا الواقع المرير، وانصرفوا إلى الدنيا ومتاعها وزينتها، وقعدوا عن إنكار المنكر، وعن الأمر بالمعروف. وما عاد أحد ينتظر منهم أي تغيير أو تجديد. في هذا الجو الخانق صدع الإمام محمد بن عبد الوهاب بدعوته، وراح يجوب الأمصار والمدن والقرى، ويقطع الصحاري والقفار، يطلب العلم ويعلمه، وينذر الناس، ويذكر العلماء بواجبهم، ويطالبهم بأن يأدوا دورهم، فأوذي في
الرسول فوقعوا في شر مما فروا منه فإنهم شبهوه بالممتنعات إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين كلاهما من الممتنعات.
وقد علم بالاضطرار أن الوجود لا بد له من موجد واجب بذاته غني عما سواه قديم أزلي لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم، فوصفوه بما يمتنع وجوده فضلا عن الوجوب أو الوجود أو القدم.
وقاربهم طائفة من الفلاسفة وأتباعهم فوصفوه بالسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن لا فيما خرج عنه من الموجودات وجعلوا الصفة هي الموصوف، فجعلوا العلم عين العالم، مكابرة للقضايا البديهات، وجعلوا هذه الصفة هي الأخرى، فلم يميزوا بين العلم والقدرة والمشيئة جحدا للعلوم الضروريات.
وقاربهم طائفة ثالثة من أهل الكلام من المعتزلة ومن اتبعهم فأثبتوا لله الأسماء دون ما تتضمنه من الصفات، فمنهم من جعل العليم والقدير والسميع والبصير كالأعلام المحضة المترادفات، ومنهم من قال عليم بلا علم قدير بلا قدرة سميع بصير بلا سمع ولا بصر فأثبتوا الاسم دون ما تضمنه من الصفات.
والكلام على فساد مقالة هؤلاء وبيان تناقضها بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول مذكور في غير هذه الكلمات.
وهؤلاء جميعهم يفرون من شيء فيقعون في نظيره، وفي شر منه، مع ما

الصفحة 9