كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 1)

ومن تتبّع القرآن الكريم وجد أنه اعتمد في الإقناع على المحاكمة العقليّة، والمشاهدة المحسوسة لعظيم صنع الله، والمعرفة التامة بما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، من أميّة تجعل إتيانه بالقرآن دليلاً على صدق رسالته، قال تعالى:
{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)} [العنكبوت]!
يعنون بذلك الخوارق الماديّة التي صاحبت الرسالات (¬1) من قبل في طفولة البشريّة، والتي لا تقوم حجة إلا على الجيل الذي شاهدها .. بينما الرسالة الأخيرة تقوم حجتها على كل من بلغته دعوتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!
ومن ثم جاءت الآيات متلوة من القرآن الكريم المعجز الذي لا تنفد عجائبه، والذي تتفتّح كنوزه لجميع الأجيال، والذي هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم، يحسّونها خوارق معجزة كلما تدبروه، كما أحسّوا مصدرها الذي تستمد منه سلطانها العجيب!
وإنه للبطر بنعمة الله ورعايته التي قبل عن الشكر والتقدير!
أو لم يكفهم أن يعيشوا مع الحق بهذا القرآن الكريم!
وهو يتنزّل عليهم، ويحدثهم بما في نفوسهم، ويكشف لهم عما حولهم، ويشعرهم أن عين الله عليهم، وأنه مَعْني بهم، يحدّثهم بأمرهم، ويقصّ عليهم القصص ويعلّمهم .. وهم هذا الخلَق الصغير الضئيل التائه في ملكوت
¬__________
(¬1) المرجع السابق: 5: 2746 بتصرف.

الصفحة 102