كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 1)

فائق تحييه الذكرى على هذا النحو البديع: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)}!
انظر في واقع حالك وماضي حياتك .. هل ودعك ربك وهل قلاك حتى قبل أن يعهد إليك بهذا الأمر؟ ألم تحط يتمك رعايته؟ ألم تدرك حيرتك هدايته؟ ألم يغمر فقرك عطاؤه؟
لقد ولدت يتيماً فآواك إليه، وعطَّف عليك القلوب، حتى قلب عمك أبي طالب وهو على غير دينك!
ولقد كنت فقيراً فأغنى الله نفسك بالقناعة، عن أن تحسّ الفقر، أو تتطلّع إلى ما حولك من ثراء!
ثم لقد نشأت في عصر جاهليّة مضطربة التصورات والعقائد، منحرفة السلوك والأوضاع، فلم تطمئن روحك إليها, ولكنك لم تجد طريقاً واضحاً مطمئناً، فيما عند الجاهليّة، ولا فيما عند أتباع موسى، وأتباع عيسى، فقد حرّفوا وبدّلوا، وانحرفوا وتاهوا، ثم هداك الله بالأمر الذي أوحي به إليك، وبالمنهج الذي يصلك به!
والهداية من حيرة العقيدة وضلال الشعاب فيها هي المنّة "الكبرى" التي لا تعدلها منّة، وهي الراحة والطمأنينة من القلق الذي لا يعدله قلق، ومن التعب الذي لا يعدله تعب!
ونقرأ قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)} [الشعراء]!

الصفحة 108