كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 1)

الفضائل، ولكن أفضل الطرق وأصحها وأكثرها عمليّة، ليست الحديث ولا الكتابة ولا الإكراه، ولكن في ظهور شخص هو التصوير العام للفضائل، شخص تنعكس فيه الفضائل عمليًّا، وتعادل كل حركة من شفته عمل آلاف الكتب، وكل إشارة من يديه كأنها أمر ملكي، إن الفضائل التي تبدو في دنيانا هي انعكاسات من هؤلاء الرجال .. أما جميع العوامل الأخرى فلا تعدو أن تكون طلاء وزخرفة في صرح الحضارة) (¬1)!
ويقول: (ولكن هؤلاء الذين ظهروا قبل الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - بعامة كانوا نماذج لفضائل معيّنة، على سبيل المثال: مدرسة المسيح كانت للتحمّل والصبر والسلام والتسامح والتواضع، ولا مكان للصفات الرفيعة اللازمة للإدارة والحكم!
بينما لا مجال فيما جاء عن نوح وموسى للتسامح العام!
من أجل ذلك كانت الحاجة إلى قائد جديد في كل مرحلة من مراحل الإنسانية .. ودائماً كان هناك انتظار لجديد يكمل به الدين، القائد الذي يستطيع أن يرفع سيفه، وأن يعيش معتكفاً أيضاً، قائد يستطيع أن يمارس حياة الحاكم والفاتح، كما يمارس حياة المسكين، والذي يستطيع أن يكون حاكم الدنيا وتالياً لأسماء الله الحسنى، والذي يستطيع أن يعيش حياة الفقر بالرضى وحياة الغنى بالقلب الكريم، هذا الرسول الكامل بين الخالق والكون، هذه الشخصيّة المحيطة، هذا التصور الحيّ لكلمات الله هو الذروة العليا في خلق الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3].
وليس هناك من شئ خالد في دنيا الفناء، ومن أجل ذلك لن تعمر فيها
¬__________
(¬1) الإسلام والعروبة في عالم متغير: الدكتور عبد العزيز كامل: 47: كتاب العربي: الكتاب الثاني والعشرون: 1989 م نقلاً عن (سيرة النبي): 1: 1 - 2 ط. الإنجليزية.

الصفحة 157