كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 4)

ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذورة سنامه"!
قلت: بلى يا نبيّ الله!
فأخذ بلسانه قال: "كفّ عليك هذا"!
فقلت: يا نبيّ الله!، وإِنا لمؤاخذون بما نتكّلم به؟
فقال: "ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إِلا حصائد ألسنتهم"! (¬1)
وهكذا تأتي أمانة الكلمة ملاك هذا كله .. ومع هذا فما يزال الوجدان يرتعش -وهو يتصوّر- مجرّد تصوّر - تلك المشاهد .. وهنا تشفّ الروح ويراقب الإنسان ربّه فيما يقول وفيما يعمل!
وفي سورة الإسراء نبصر مكانة الفرد ومسؤوليّته، ونحن نقرأ قول الحق تبارك وتعالى:
{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} " (الإسراء)!
وبذلك الناموس تتضح التبعيّة الفرديّة التي تربط كل إنسان بنفسه، وتربط قاعدة العمل والجزاء .. ومن ثمَّ نبصر الربط بين الحركة المسؤولة والكلمة الصادقة، والقول والعمل، والعقيدة والسلوك، والفكرة والتنفيذ!
¬_________
(¬1) الترمذي (2616) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصحيح الترمذي (2110)، وأحمد: 5: 231، وعبد بن حميد (113)، وابن ماجه (3973).

الصفحة 1875