كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 1)

الخوارق والمعجزات من موضوعات بحثي واختصاصي؛ فلا حكم لي عليها بشيء، ولكن إذا وقعت خارقة من ذلك أمامي فإنها تصبح في تلك الحال موضوعاً جاهزاً للنظر والتحليل، ثم الشرح والتعليل، ثم تغطى تلك الخارقة بقانونها التابع لها!
وقد انقرض الزمن الذي كان بعض العلماء يظنون فيه أن أثر الأسباب الطبيعية في مسبباتها أمر حتمي يستعصي على التخلف والتغيير، وانتصر الحق الذي طالما نبه إليه ودافع عنه علماء المسلمين عامة، والإمام الغزالي خاصة، من أن علاقات الأسباب بمسبّباتها ليست أكثر من رابطة اقتران مجردة، وما العلم في أحكامه وقوانينه إلا جدار ينهض فوق أساس هذا الاقتران وحده، أما سرّ هذا الاقتران فهو عند الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى!
نعم، لا بد أن يشترط كل إنسان عاقل يحترم العقل والحقيقة، لقبول أي خبر، سواء تضمن أمراً خارقاً أو مألوفاً، شرطاً واحداً، وهو أن يصل الخبر إليه عن طريق علمي سليم ينهض على القواعد التي عرفناها، وأن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصح سيرة لتاريخ نبي مرسل، ومن ثم يأخذنا العجب كل مأخذ، عندما نتذكر مرة أخرى تلك الأخطاء المنهجيّة، وآثار تلك المدرسة الجديدة!
أليس هذا من أفجع الكوارث النازلة برأس العلم؟!
تلك إشارات إلى مناهج المؤلفين في السيرة النبويّة!

الصفحة 198