كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 1)

في تلك المساحة الفسيحة التي امتدّ إليها (الدّين القيّم)، ويمكن تتبّع تفاعله مع الأفكار والعقائد التي كانت سائدة أو سائرة فيها، ومع النظم الاجتماعيّة التي كانت تظلها، ومع الظروف الاقتصادية والمعالم التاريخيّة والملابسات الإنسانية، في أخصب بقاع الأرض وأكثرها حضارة في ذلك الزمان!
والمدّ الإِسلاميّ لم يقف عند الحدود التي وصلت إليها فتوحاته العسكريّة؛ فلقد امتدّت الموجبة الفكريّة، والحضارة التي كوّنها إلى ما وراء حدود العالم الإسلامي قطعاً!
ولابد من دراسة آثار هذا المد فيما وراء الحدود، طرداً وعكساً، في حياة العالم الإسلامي ذاته، وفي حياة العالم الإنساني كله!
ودراسة هذه التفاعلات في ضوء هذا المنهج الذي عرضنا معالمه كفيلة بأن تنشئ صورة واضحة السمات للعالم الإنساني وخطواته الحيّة، مختلفة عن الصورة التي اعتاد غير المسلمين أن يرسموها، والتي اعتدنا أن نراها في كتاباتهم!
والتي يعتنقها كثيرون من أبناء جلدتنا، الذين يتكلّمون بألسنتنا، ويدافعون عنها أكثر من دفاع أساتذتهم المستشرقين!
ثم يجيء دور انحسار المدّ الإِسلاميّ!
وعلى ضوء هذا المنهج، وضوء دراسة المراحل التاريخية السالفة يمكن أن نتبين أسباب هذا الانحسار، وعوامله الداخليّة والخارجيّة جميعاً!
وهنا نتساءل: أكان هذا الانحسار شاملاً أم جزئيًّا، وسطحياً أم عميقاً؟!
وما أثر هذا الانحسار في خط سير التاريخ, وفي أحوال البشر، وفي قواعد التفكير والسلوك، وفي العلاقات الدوليّة والإنسانيّة؟!

الصفحة 210