كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 1)

وقد اقتدى به السلف الصالح في احتماله لما كان يلاقيه في سبيل الدعوة إلى الحق من العناء والمكابدة، وفي صلته بالأفراد والجماعات، ومعاملته لهم، ودعوته إلى الحق، وإرشادهم إلى وجوه الخير، وسبل السعادة!
وتدعو إلى التأسّي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في صدق جهاده وقوة صبره على أدواء الحياة وشظفها وشدة أزماتها، وتحمل أشد البلاء في سبيل نشر رسالته؛ لإعلاء كلمة الله، ومجاهدة شراذم الكفر، وأهل النفاق، ليعلموا أن خَلَف هذه الأمة كسلفها لهم في رسول الله أسوة حسنة، ولن يتحقق هذا إذا اقتصر التأسي على المظاهر التي لا تكلف قليلاً أو كثيراً، ولا تؤثر في رفع راية العقيدة من قريب أو بعيد، وإنما يكون التأسي على هذا المستوى، ولن يتحقق ذلك التأسي إلا لمن صفا قلبه، واستنار بنور الهداية فؤاده، واستوى في الإخلاص للإسلام باطنه وظاهره، وهذا لا يكون إلا بمعرفة ما يجب على كل مؤمن بهذا (الدين القيم)، ومن كان يرجو الله واليوم الآخر، وهذا معنى التأسي بالرسول وتأكيده برجاء اليوم الآخر، والإيمان بمجيئه لتوفية كل عامل جزاء عمله، وأمارة ذلك أن يذكر العبد ربه ذكراً قلبيًّا، يغسل درن النفاق، حتى يخلص الجَنان للرحمن ويثبت على ذلك، وذكراً لسانيًّا يتطابق مع الذكر القلبي، ليكون ذلك عنواناً على إخلاص الإيمان وصدق اليقين!
ولو كان مقدراً لهذا العالم الإسلامي أن يموت، لمات في خلال القرون الطويلة التي مرت به (¬1)، وهو مكبّل بالقيود، في حالة إعياء عن الحركة، بعد أن حمل عبء الحضارة الإنسانيّة طويلاً، وبعد أن تعب فاسترخى فنام!
¬__________
(¬1) في التاريخ: فكرة ومنهاج - بتصرف، وانظر: الهجرة النبويّة: 11 وما بعدها.

الصفحة 218