كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 1)
وأساطيرها، وآثارها الماديّة في تفصيل مسهب، بل في مبالغة وإغراق وأكاذيب، ولم يسمح بأسطر يكتبها في سجلاته عن النبوّات والرسالات الإلهيّة إلا بقدر ما يصلها بهذه الوثنيّات في معاركها معها ونضالها ضدّها!
أما بيان مكانة النبوّة من الحياة، وبيان أعمالها في توجيه الحياة، وتهذيب الغرائز، وإرشاد العقل في سيره، وبيان ما يطيق إدراكه وما لا يطيق، وبيان أقدار الرسالات الإلهيّة، وجهاد الرسل في سبيل تقدّم الحياة، وإقامة موازين العدالة، وإصلاح ما أفسده الطغاة البغاة العتاة بطغيانهم ومظالمهم، وكفاح البطولات الروحيّة، واصطبار المكافحين من الأنبياء والمرسلين، وأتباعهم من المؤمنين برسالاتهم، على محن الجبروت، وبلاء الطغيان، وفدائح الظلم .. أما هذا كله فأمر لا يعني هذا التاريخ البشري أن يفرد له بين صفحاته قدراً يعطيه حقه من التقدير والاعتزاز!
وقد صوّر التاريخ النبوّة والرسالات الإلهيّة في أسطره التي سمح بها في سجلاته للحديث عنها، وعن حملتها من المصطفين، على أنها مرشد لمن يريد اعتزال الحياة، ليعيش روحانيًّا قانعاً زاهداً، قعيد الكهوف والصوامع، جوعان ذا مسغبة، عريان ذا متربة، سموحاً لا يزاحم في معترك العيش، خانعاً في ذلة، مستسلماً لنوازل الحياة، شروداً نفوراً، يحيا ويموت دون أن تحسّ به الحياة!
والتاريخ بهذا التصوير الظالم يضع النبوّة والرسالات الإلهيّة في إطار من السلبيّة، لا تعني الحياة في شيء، ولا تعنيها الحياة في شيء!
ومن هنا نشأت فكرة (الدّين والدنيا) فالدّين- عند هذا التاريخ الظلوم- هو السلبيّة التي تعيش مع خيالات الأوهام، وأوهام الغيبيّات التي لا تحسّ ولا تمسّ .. والدنيا عند هذا التاريخ هي كل المعاني التي قامت على دعائمها فلسفة
الصفحة 33
1884