كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 1)
إيمان إيقان، ويعرف معرفة صدق أن رسالة محمد خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم - كانت ولا تزال فتحاً جديداً أمام الفكر الإنساني، أتاح له الانطلاق إلى لون جديد من المعرفة لم يسبق بحال، فهو لا يقف عند غاية، ولا تعرف الحياة له نهاية، ولا يتوقّف أمام عقبات، ولا تحول دون انطلاقه حواجز، ولكنه يقتحم الآفاق، ويثب إلى ذروات الشموخ والتطلّع، ويغوص إلى أعماق الكون وأسرار الوجود، متطلّعاً إلى مزيد من العلم والمعرفة، وفي وقائع التاريخ ومشهود رواياته ما يؤكد صدق هذه الحقيقة!
وحادثة اندفاع جحافل التتار على عاصمة الخلافة الإسلامية (بغداد) - بموجاتها الساحقة المدمّرة واحدة من أحداث كثيرة حفل بها التاريخ - تصوّر مدى ضخامة ما كان من التراث الفكري الإسلامي في (بغداد) عاصمة الإسلام يومئذ، وهي واحدة من أخوات لها في أوطان المسلمين، في مجالات العلم والفكر والمعرفة!
وكان في مكتباتها من آثار أقلام علماء الإسلام ومفكّريه وباحثيه، من المفسّرين، والفقهاء، والمحدّثين، والأصوليّين، واللغويّين، والأدباء، والمؤرخين، والناظرين في علوم الأوائل في الفلسفة والفلك، وآثار الفرق والمذاهب، والملل والنحل، ما لا يمكن أن يحصره الحساب والتعداد!
وإذا ذكرت (بغداد) بما تحفل به مكتباتها العامة والخاصة من فنون المعرفة التي هي أثر من آثار الفكر في خصائص رسالة محمد خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم -، فلا يمكن أن تغيب عن الذاكرة (القاهرة)، و (قرطبة)، و (دمشق)، و (فاس)، وغيرها من عواصم الفكر في سائر أقطار الإسلام وأوطانه!
وليس بأهون دلالة على صدق هذه الحقيقة التاريخيّة في تقدير ضخامة
الصفحة 42
1884