كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

إلى معالي الأمور، وعزيمة صادقة، وإرادة قوية، لا تجعل للهوى سلطاناً عليها، بل تجعل كل العواطف تحت سلطانها والغايات العليا هي التي تجذبها!
وهنا نبصر بسط الرزق والزواج المبارك، بعد حياة رعي الغنم والعمل في التجارة، وكيف كانت المنحة بعد المحنة، وكيف كان التوافق، فهي امرأة شريفة، ذات ثراء، وهو رجل كامل عامل قوي أمين، أغناها بأمانته، وكفلها برجولته، ووجه مالها إلى الخير، بحسن نيّته، وطيب طويّته!
وقد كان يعمل لها في المال من قبل بأجر، تطيب به نفسها، ويكسب مالها على يديه أضعاف أضعاف ما عند الآخرين .. ولو استمر يعمل في مالها ومال غيرها، لأدرّ عليه الكثير الكثير .. ولو كان يبتغي المال وأعراض هذه الدنيا، لنال الشباب والمال معاً!
ولكنه - صلى الله عليه وسلم - رأى أن يعمل في مالها بغير أجر، وأن يضاعفه بغير ثمن، وأن تكون أم ولده، لطيب عرفها، وشرف نسبها، وقد تخيّر لنطفته، فاختار أكمل امرأة في قريش، وأعلاها في المكرمات كعباً، وقد اختارها الله تعالى لتكون له ردءاً في شدائده، تواسيه بالكلمة والعطف والحنان، في وقت اشتد فيه البلاء، وعظم الابتلاء، فأعنته المخالفون، وكان عزيزاً عليه أن يُعنتهم، فكان في حاجة ماسّة إلى من يأوي إليه، كما هو في حاجة ماسة إلى من يذود عنه!
وإذا كانت امرأة نوح وامرأة لوط قد تخاذلتا عن معاونة النبيّيْن الصالحيْن، فإن خديجة أعلت شأن النساء قاطبة، فكانت الزوج الملهمة المواسية، الودود العطوف الولود، حين يلقى قريشاً وصدودها، وعداوتها وجفوتها، يجد في بيتها برداً وسلاماً!

الصفحة 501