كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خُلقه (¬1)، يتفقّد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسّنَ الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لكل حال عنده عَتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الذين يلُونه من الناس خيارهم، أفضلُهم عنده أعمُّهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة!
وقال: وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يُعطي كل جُلسائه نصيبَه، لا يحسب جليسُه أن أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطُه وخلقه، فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن (¬2) فيه الحُرم، ولا تُنْثَى (¬3) فلتاته، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب!
وقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخّاب، ولا فحّاش ولا عيّاب، ولا مدّاح (¬4)، يتغافل عمّا لا يشتهي، ولا يؤِيس منه، ولا يخيِّب فيه (¬5)، قد ترك نفسه
¬__________
(¬1) شمائل الرسول: ابن كثير: 53 تحقيق الدكتور مصطفى عبد الواحد. دار المعرفة، بيروت.
(¬2) تؤبن: تنتهك أو تعاب.
(¬3) تنثى: تشاع أو تذاع. والفلتات: جمع فلتة. وهي الزلة. أراد أنه لم يكن لمجلسه فلتات فتثنى: النهاية: 2: 133.
(¬4) في البداية: 6: 33 "ولا مزاح".
(¬5) في البداية: 6: 33 ولا يؤيس منه (راجيه) وفي الهامش: هذه الزيادة من الشمائل، وفي =

الصفحة 523