كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

لكي ينقل البشر إليه بالناموس الذي سيأتي عما قريب لجعل الإنسان في كل زمان ومكان موقناً به، مستمسكاً بمنهجه، مغادراً مواضعه المنحرفة الخاطئة التي ساقته إليها زعامات جائرة، وسلطات مستبدة، وأعراف مليئة بالدنس والرجس، والوحل والخطيئة!
أرأيت كيف كان طريق البناء النفسي، والتكوين العملي بمثابة إرهاص حركيّ حيّ؟!
أرأيت كيف كان الانقطاع، عكساً إزاء طغيان الجاهليّة، وطرداً تجاه يوم الوحي، بمثابة الإرهاص الأكبر، إلى أن هذه الشخصيّة التي ربّتها عناية الله في مدى أربعين سنة، قد غدت على استعداد تام للتلقي؟!
وإزاء هذا الهيكل المرئي من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه، يقف عدد من الإشارات والأحداث، لافتاً الأنظار في ذلك الحين، وفي كل حين، إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد اصطفاه الله .. وإلى أن تدفق الخير على مضارب القبيلة التي احتضنت محمداً، بعد أيام العسر والجفاف، يوحي فيما يوحي إلى أن مجاعة العالم كله، وجفاف الروح الإنسانيّة، وعسر الحضارة البشريّة في تمخضها الدائم، تنتظر من يعيد توجيهها وصياغتها من جديد فيحيل الجوع شبعاً وريًّا، وجفاف الروح امتلاء وانطلاقاً، وعسر الحركة الحضارية تدفقاً وإبداعاً .. وبشارةً وإنذاراً!
بشارة لكل الذين بعدوا عن دنس الجاهليّة ورجسها، واستعلوا على كل صور الضلال، وآلوا على أنفسهم أن يتحملوا المسؤوليّة، وأن يسيروا في طريق الحق، وأن يسيروا بالناس من عبادة العباد إلى عبادة الله!

الصفحة 532