كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 2)

وأخذت ملامح الطريق إلى النبوة تزداد إيحاءً ووضوحاً، وتقترب بالرسول - صلى الله عليه وسلم - يوماً بعد يوم!
والذي يلفت النظر (¬1)، ويدعو إلى التأمل، أن تتضافر روايات التاريخ بالحديث عن ورقة بن نوفل وتنصّره، وزيد بن عمرو وتحنّفه، وقس ابن ساعدة وترهّبه، وأميّة بن أبي الصلت وتطلعه .. ولكنها تسكت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذه الفترة من شبابه، فلا تذكر عنه إلَّا أنه كان يخلو بغار حراء يتعبّد فيه الليالي ذوات العدد!
ومن هنا تعددت الأقاويل في تعبّده على أي نهج كان (¬2)؟!
ولم يأت تصريح -كما قال الزرقاني (¬3) - بصفة تعبّده بحراء، فيحتمل أنه أطلق على الخلوة بمجردها تعبداً، فإن الانعزال عن الناس ولا سيما من كان على باطل عبادة، وعن ابن المرابط وغيره: كان يتعبّد بالفكر، وهذا على قول الجمهور!
وعلى كل فإن العقل في منطقه بمعزل عن إدراك شرعيّة هذا التعبّد، ما دام لم يأت نص قاطع في ذلك، فهو إذن تعبّد على ملة إبراهيم -كما سيأتي في حديث بدء الوحي- وهو إذن مطلع الوحي، بحقائقه ودلالاته!
لقد تكرم الحق -تبارك وتعالى- فكرّم هذه الخليقة باختيار واحد منها، اصطفاه ليكون ملتقى النور الإلهي، ومهبط الوحي، وخاتم النبيّين، وخير الخلق أجمعين!
¬__________
(¬1) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 1: 216 وما بعدها بتصرف.
(¬2) انظر: البداية: 3: 6، وشرح الزرقاني: 1: 210.
(¬3) شرح الزرقاني: 1: 210.

الصفحة 542