كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

12 - " فغطّني حتى بلغ مني الجهد":
فغطّني -بالغين المعجمة والطاء المهملة- وفي رواية الطبري: فغتّني (¬1) - أي بتاء مثناة من فوق. قال ابن الأثير (¬2): هما سواء، كأنه أراد عصرني عصراً شديداً، حتى وجدت منه المشقة!

قال ابن حجر (¬3): كأنه أراد ضمني وعصرني، والغط: حبس النفس، ومنه غطه في الماء، أو أراد غمني، ومنه الخنق، ولأبي داود الطيالسي في مسنده بسند حسن (فأخذ بحلقي)!
قال النووي (¬4): قال العلماء: والحكمة في الغط شغله من الالتفات والمبالغة في أمره بإحضار قلبه لما يقوله له، وكرره ثلاثاً، مبالغة في التنبيه!
والجُهدُ -بفتح الجيم وضمها ونصب الدال ورفعها- قال الكرماني (¬5): ومعناه: الطاقة والغاية والمشقة، فعلى الرفع معناه بلغ الجهد مبلغه، فحذف مبلغه، وعلى النصب معناه بلغ الملك مني الجهد، والحكمة في الغط شغله عن الالتفات والمبالغة في أمره بإحضار قلبه لما يقول له، وكرره ثلاثاً مبالغة في التثبّت، وفيه أنه ينبغي للمعلم أن يحتاط في تنبيه المتعلم والإحضار بمجامع قلبه!

قال التوربشتي: لا أرى الذي يروي بنصب الدال إلا قد وهم فيه، أو جوّزه بطريق الاحتمال؛ فإنه إذا نصب الدال عاد المعنى إلى أنه غطه حتى
¬__________
(¬1) تاريخ الطبري: 1: 532.
(¬2) النهاية (غَتت، وغطط).
(¬3) فتح الباري: 1: 24.
(¬4) مسلم بشرح النووي: 2: 199.
(¬5) الكواكب الدراري: 1: 34.

الصفحة 598