كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 1)

ونبصر صفة هذه الجماعة المختارة .. صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضحةً ثابتةً في صلب الوجود، تتجاوب بها أرجاؤه .. وتبقى نموذجاً للإنسانيّة، تحاول جاهدة أن تحققها, لتحقّق معنى الإيمان في أعلى الدرجات!
ونبصر فوق هذا التكريم كله .. وعد الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالمغفرة والأجر العظيم!
وهو وعد يجيء في هذه الصيغة العامة، بعد ما تقدّم من صفتهم التي تجعلهم أوّل الداخلين في هذه الصيغة العامة!
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)}!
وذلك التكريم وحده حسبهم، وذلك الرضى وحده أجر عظيم .. ولكنه الفيض الإلهي بلا حدود ولا قيود. والعطاء الإلهي عطاء غير مجذوذ!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (¬1): (ولا ريب أن هذا مدح لهم بما ذكر من الصفات، وهو الشدّة على الكفار، والرحمة بينهم، والركوع والسجود، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً .. والوعد لهم بالمغفرة والأجر العظيم ليس على مجرد هذه الصفات، بل على الإِيمان والعمل الصالح، فذكر ما به يستحقون الوعد، وإِن كانوا كلهم بهذه الصفة، ولولا ذكر ذلك لكان يظن أنهم بمجرد ما ذكر يستحقون المغفرة والأجر العظيم، ولم يكن فيه بيان سبب الجزاء، بخلاف ما إِذا ذكر الإِيمان والعمل الصالح، فإِن الحكم إِذا علق باسم مشتق مناسب كان ما منه الاشتقاق سبب الحكم)!
¬__________
(¬1) منهاج السنة: 1: 158 دار الكتب العلمية، بيروت.

الصفحة 60