كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

استبعد إخراجه عن الوطن، لا سيما حرم الله، وبلد أبيه إسماعيل، من غير سبب يقتضي ذلك، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان جامعاً لأنواع المحاسن المقتضية لإكرامه، وإنزاله منهم محل الروح من الجسد!
فإن قلت: الأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف، نحو:
{فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)} (الأنعام)!
وحينئذ ينبغي أن يقول هنا (وأمخرجي) لأن العاطف لا يتقدم عليه جزء مما عطف!
أجيب بأن الهمزة خصت بتقديمها على العاطف تنبيهاً على أصالتها في أدوات الاستفهام، وهو له الصدر، نحو: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا} (الأعراف: 185) {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} (غافر: 82)!
هذا مذهب سيبويه والجمهور، وقال جار الله وجماعة: إن الهمزة في محلها الأصلي، وإن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، والتقدير (أمعاديّ هم ومخرجيّ هم)، وإذا دعت الحاجة لمثل هذا التقدير فلا يستنكر!
فإن قلت: كيف عطف قوله: (أو مخرجي هم؟) وهو إنشاء، على قول ورقة (إِذ يخرجك قومك) وهو خبر، وعطف الإنشاء على الخبر لا يجوز، وأيضاً فهو عطف جملة على جملة، والمتكلم مختلف؟
أجيب بأن القول بأن عطف الإنشاء على الخبر لا يجوز، إنما هو رأي أهل البيان، والأصح عند أهل العربيّة جوازه، وأما أهل البيان فيقدرون في مثل ذلك جملة بين الهمزة والواو، وهي المعطوف عليها، فالتركيب سائغ عند الفريقين، أما المجوزون لعطف الإنشاء على الخبر فواضح، وأما المانعون فعلى

الصفحة 612