كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

وعن فرعون -لعنه الله- في موسى عليه السلام: {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)} (الشعراء)!
وبيّن جل شأنه أن جميع الكفار كانوا يقولون هذا القول في رسلهم، قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)} (الذاريات)!
وقد تعلق الملاحدة وأعداء الإِسلام بهذا القول، ونبذوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بألقاب السوء، وقالوا: مجنون يصرع، وتقوّلوا عليه، ليشككوا في نبوته ورسالته، مما أوحت به إليهم شياطينهم، من الكذب، وقول الزور، افتراء على الله ورسوله (¬1)، وقد رد القرآن الكريم عليهم فريتهم وأكاذيبهم، بعد أن حكاها عنهم في مواضع متعددة .. قال تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)} (الحجر)!
وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36)} (الصافات)، وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)} (القلم)!، وقال جل شأنه: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)} (الأعراف)!
ففي هذه الآية الكريمة تصوير لتجني هؤلاء الفجرة من طغاة الكفرة (¬2)، وجهالتهم الضالة، وأنهم قوم بُهْت، لا يصدر منهم القول عن نظر وتدبر،
¬__________
(¬1) انظر: الوحي المحمدي: 87 وما بعدها.
(¬2) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 1: 288 - 290 بتصرف، وانظر: تفسير الطبري: 9: 136، وتفسير ابن كثير: 2: 270، وتفسير الشوكاني: 2: 285 - 286، وتفسير الألوسي: 5: 118 - 119، وتفسير القرطبي: 7: 330، وتفسير المنار: 9: 453 وما بعدها.

الصفحة 624