كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

قلت: لعل هذه الرواية ومثيلاتها، هي التي قصدها الحافظ ابن حجر بقوله: جاء مصرحاً به في عدة طرق، بيد أنه قال: وأبطله ابن العربي وحق أن يبطل!
وهذا البغض -كما أسلفنا- كان واقعاً راسخاً في خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مركوزاً في فطرته التي فطره الله عليها، وفي التكامل المحمدي منذ طفولته إلى بدء نزول الوحي!
بيد أن البغض في تلك الرواية جاوز موضعه من فطرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، واتخذ وضعاً مريباً واهناً في لحظة تاريخيّة من حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -!
وكيف والرواية نفسها يصيح فيها ملك الوحي جبريل (يا محمد، أنا جبريل، يا محمد، أنا جبريل)؟!
وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبغض الكهّان والكهانة بغضه للأصنام، وهو بغض لم يبغضه شيئاً قط، وهذا واقعه - صلى الله عليه وسلم - في حياته، فكيف يخشى على نفسه في هذه اللحظة التاريخيّة من حياته أن يكون كاهناً؟!
فضلاً عن أن هذه الرواية بهذا السند قد خالفت الرواية التي معنا، وقد رواها الشيخان وغيرهما -كما سبق- حيث فسرت الخشية بالكهانة، وفي الوقت ذاته ذكرت بغضه - صلى الله عليه وسلم - للأصنام والكهان!

38 - رد قول الحافظ الإسماعيلي:
ولو وقف الحافظ ابن حجر عند نقده لهذا القول، وتأييده لقول أبي بكر ابن العربي في قطع الحكم ببطلانه، لكان الأمر لا يحتاج إلى نظر جديد، بيد أنه
¬__________
(¬1) محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 1: 378 بتصرف.

الصفحة 630