كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إِلا الله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان: 34] ثم انصرف الرجل، فقال: رُدُّوا عليّ، فأخذوا ليّردُّوا فلم يروْا شيئًا، فقال: "هذا جبريل جاء ليعلّم الناس دينهم" (¬1)!
وقد كانت حالة تغلّب الطبيعة الروحانيّة عند النبي -صلى الله عليه وسلم- على الطبيعة البشريّة أشدّ ما كان يلقاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حالات الوحي، وهي التي عُبِّر عنها بصلصلة الجرس، ودويّ النحل -كما أسلفنا- وهي لا تكون إلا في وحي اليقظة!
وهنا نذكر ما رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} [القيامة: 16]!
قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعالج من التنزيل شدّة، وكان مما يحرّك شفتيه، فقال ابن عباس: فأنا أحرّكهما لكم، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحرّكهما! وقال سعيد: أنا أحرّكهما كما رأيت ابن عباس يحرّكهما -فحرك شفتيه- فأنزل الله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}! قال: جَمْعُه لك في صدرك وتقرؤه: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قال: فاستمِع له وأنصِتْ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}
¬__________
(¬1) البخاري: 65 - التفسير (4777)، وانظر (50)، وخلق أفعال العباد (26)، ومسلم (8)، والطيالسي (2)، وابن أبي شيبة: 11: 44، 45، وأحمد: 1: 27، 28، 51، 52، وأبو داود (4695، 4696، 4697)، والترمذي (2610)، والنسائي: 8: 97، وابن ماجه (63)، وابن خزيمة (1: 2504، 3065)، وابن منده: الإيمان (1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13، 185، 186)، والبيهقيُّ: الشعب (393)، والبغويُّ (2)، وابن حبّان (168، 173).

الصفحة 665