كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أنزل الله -عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] قال: "يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتَرُوا لأنفسكم، لا أُغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفيّة عمّة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمَّد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئًا"! وفي رواية لأحمد وغيره بسند صحيح عنه - رضي الله عنه -: جعل يدعو بطون قريش بطنًا بطنًا: "يا بني فلان، أنقذوا أنفسكم من النار"!
حتى انتهى إِلى فاطمة فقال: "يا فاطمةُ بنتَ محمَّد، أنقذي نفسك من النار، لا أملك لكم من الله شيئًا، غير أن لكم رحمًا سأبُلُّها ببلالها" (¬1)!
ومعنى ذلك أن كفركم وعدم قبولكم لدعوتي، والإيمان برسالتي، لا يمنعني من صلة رحمكم في الدنيا، ولا أغني عنكم في الآخرة من الله شيئًا؛ لأنّ صلة الرحم ومودّة ذوي القربى من أصول المكارم الإنسانيّة التي لا يحول دونها في شرعة الفضائل -كفر ولا عصيان!
ولأمر ما جاء التنويه بشأن هذه المكرمة من أصول مكارم الأخلاق لموضعها من سجايا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القرآن الكريم، قال تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]!
¬__________
(¬1) البخاري: 55 - الوصايا (2753)، وانظر (3527، 4771)، والأدب المفرد (48)، ومسلم (206)، وأحمد 2: 333، 360، 519، والترمذي (3184)، والنسائيّ: 6: 248، 249، والتفسير (397)، والطبري: التفسير: 19: 120، وأبو عوانة: 1: 94، والطحاوي: شرح المعاني: 4: 387، والطبراني: الأوسط (8506)، والبيهقيُّ: 6: 280، والدلائل: 2: 177، وابن حبّان: (646، 6549).

الصفحة 682