كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

فقد جعلت الآية الكريمة المودّة في القربى وصلة الرحم أقصى ما يطلبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجرًا ومكافأة من قومه على ما جاءهم به من هُدى وخير، فهو لا يسألهم مالًا يرزؤهم به، ولكنه يطلب إليهم أن يوادّوه ويصلوا رحمه بأرحامهم!
والمعنى كما قال ابن كثير: قل يا محمَّد لهؤلاء المشركين من كفار قريش: لا أسألكم على هذا البلاغ، والنصح لكم مالًا تعطونيه، وإنما أطلب منكم أن تكفوا شرّكم عنّي، وتذروني أبلغ رسالات ربّي، إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة (¬1)!
وروى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سئل عن قوله: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}! فقال سعيد بن جُبير: قُربى آل محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فقال ابن عباس: عجلتَ، إِن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن بطنٌ من قريش إِلا كان له فيهم قرابة، فقال: "إِلا أن تصِلُوا ما بيني وبينكم من القرابة" (¬2)!
وفي رواية للحاكم عن الشعبي قال: "أكثر الناس علينا في هذه الآية: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}!
فكتبنا إِلى ابن عباس نسأله عن ذلك، فكتب ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أوسط بيت في قريش، ليس بطنٌ من بطونهم إِلا قد ولده، فقال الله -عزّ وجل: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}!
¬__________
(¬1) تفسير ابن كثير: 4: 111 - 112.
(¬2) البخاري: 65 - التفسير (4818)، وأحمد: 1: 229، 286، والترمذي (3251)، والنسائيّ: التفسير (494)، والبغويُّ: معالم التنزيل: 4: 124، وابن جرير: 25: 15، وابن حبّان (6262).

الصفحة 683