كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

شمائله وأظهرَ صفاته، قبل النبوة وبعدها، كما شهد بذلك أحباؤه وأعداؤه (¬1) إلى يومنا هذا؟!
{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)} (يونس)!
ولقد كانت تنزل بالرسول - صلى الله عليه وسلم - نوازلُ من شأنها أن تحفزه إلى القول، وكانت حاجتُه القصوى تلحّ عليه أن يتكلّم، بحيث لو كان الأمر إليه لوجد له مجالاً ومقالاً، ولكنه كانت تمضي الليالي والأيام تتبعهما الليالي والأيام، ولا يجد في شأنها قرآنًا يقرؤه على الناس!
ألم يُرْجف المنافقون بحديث الإفك عن زوجه عائشة - رضي الله عنها - وأبطأ الوحي، وطال الأمر -وما كان أقساه- والناس يخوضون، حتى بلغت
¬__________
(¬1) انظر مثلًا ما كتبه توماس كاريل الإِنجليزي في كتاب (الأبطال) .. وما كتبه الكونت هنري دي كاستري الفرنسي في خواطره وسوانحه عن الإِسلام .. ثم اقرأ شهادة قريش التي سجلها أبو سفيان وهو في الجاهلية بين يدي هرقل عظيم الروم لمّا سأل هرقل، من حديث طويل رواه الشيخان وغيرهما:
(فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا. ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكنّي كلمة أدخل فيها شيئًا غير هذه الكلمة!
ثم قال هرقل: فإِن كان ما تقول حقًّا فسيملك موضع قدميّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه)! البخاريُّ: 1 - بدء الوحي (7)، وانظر (51، 2681، 2804، 2941، 2978، 3174، 4553، 5980، 6260، 7196، 7541)، والأدب المفرد (1109)، وخلق أفعال العباد (63، 64)، ومسلم (1773)، وأحمد: 1: 262 - 263، وانظر: الترمذي (2717)، وابن منده: الإيمان (143)، والبيهقيُّ: "الدلائل": 4: 381 - 383. وسيأتي في بحث: الإعجاز البياني: قول عتبة لقريش: وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب! هكذا شهد الأعداء قبل الأحباء!

الصفحة 721