كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

شيء فيها ومن حولها واضحًا .. وحيث يعجب الإنسان من نفسه كيف كان لا يرى هذا الحق وهو بهذا الوضوح وبهذه البساطة؟!
وحين يعيش الإنسان بروحه في الجوّ القرآني فترة، ويتلقّى منه تصوّراته وقيمه وموازينه، يحسّ يسرًا وبساطةً ووضوحًا في رؤية الأمور، ويشعر أن مقرّرات كثيرة كانت قلقةً في حسّه قد راحت تأخذ أماكنها في هدوء، وتلتزم حقائقها في يسر، وتنفي ما علق بها من الزيادات المتطفّلة لتبدو في براءتها الفطريّة، ونصاعتها كما هي في ميزان الحق!
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ}!
والاعتصام بالله ثمرة ملازمة للإيمان به .. متى عرفت النفس حقيقة الإيمان .. فلا يبقى أمامها إلا أن تعتصم بالله وحده .. وهؤلاء يدخلهم الله في رحمة منه وفضل .. رحمة في هذه الحياة الدنيا -قبل الحياة الأخرى- وفضل في هذه العاجلة قبل الفضل في الآجلة .. فالإيمان هو الواحة النديّة التي تجد فيها الروح الظلال من هاجرة الضلال في تيه الحيرة والقلق والشرود .. كما أنه هو القاعدة التي تقوم عليها حياة المجتمع، في كرامة وحريّة ونظافة واستقامة .. حيث يعرف كل إنسان مكانه على حقيقته .. ويشعر بأنّه عبد لله وحده وسيّد مع كل من عداه .. وليس هذا في أي نظام آخر غير نظام (الدّين القيّم)!
{وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)}!
وكلمة {إِلَيْهِ} تخلع على التعبير حركة مصوّرة؛ إذ ترسم المؤمنين ويد الحق تنقل خطاهم في الطريق إلى الله على استقامة، وتقرّبهم إليه خطوةً

الصفحة 729