كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

ومعلوم أن الأحديّة عقيدة للضمير، وتفسير للوجود، ومنهج للحياة، قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} (سورة الإخلاص)!
وليس هناك حقيقة إلا تلك الأحديّة (¬1)، وليس هناك وجود إلا هذا الوجود .. وكل موجود يستمدّ وجوده من ذلك الوجود الحقيقي، ويستمدّ حقيقته من تلك الحقيقة الذاتيّة!
وهي أحدية الفاعليّة .. وإذا استقرّ أمر تلك العقيدة، ووضح هذا التصوّر، خلص الجنان في الإنسان من كل غاشية ومن كل شائبة، ومن كل تعلّق آخر .. وخلص لله -جلَّ شأنه!
ولا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود .. ولا حقيقة لفاعليّة إلا تلك الإرادة .. وعلام يتعلّق الجَنان بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليّته!
وحين يخلص جنان الإنسان من الشعور بغير هذه الحقيقة الواحدة، ومن التعلّق بغيرها .. يتحرّر من جميع القيود، وينطلق من كل الأوهاق .. يتحرّر من الرغبة، وهي أصل قيود كثيرة .. ويتحرر من الرهبة كذلك .. وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئًا متى آمن بالله؟ ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعليّة إلا لله؟
ومتى استقرّ هذا التصوّر الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها .. وهذه درجة يرى فيها الجنان قدرة الله في كل شيء يراه .. ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئًا في الكون إلا هذه القدرة؛ لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا هذه القدرة!
¬__________
(¬1) في ظلال القرآن: 6: 4002 وما بعدها بتصرف.

الصفحة 733