كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

ولكن الله -جلّ شأنه- كان يريد بناء الجماعة، وبناء الحركة، وبناء العقيدة في وقت واحد.، كان يريد أن يبني الجماعة والحركة بالعقيدة، وأن يبني العقيدة بالجماعة والحركة!
كان يريد أن تكون العقيدة هي واقع الجماعة الفعلي، وأن يكون واقع الجماعة الحركي الفعلي هو صورة العقيدة!
كان يعلم أن بناء النفوس والجماعات لا يتم بين يوم وليلة .. ومن ثم لم يكن بدّ أن يستغرق بناء العقيدة هذا المدى الذي يستغرقه بناء النفوس والجماعة .. حكى إذا نضج التكوين العقدي كانت الجماعة هي المظهر الواقعى لهذا النضوج!
إن العقيدة الإِسلاميّة يجب أن تتمثّل في نفوس حيّة، وفي تنظيم واقعي، وفي حركة تتفاعل مع الجاهليّة من حولها، كما تتفاعل مع الجاهليّة الراسبة في نفوس أصحابها .. بوصفهم كانوا من أهل الجاهليّة قبل أن تدخل العقيدة إلى نفوسهم، وتنتزعها من الوسط الجاهليّ، وهي في صورتها تشغل من القلوب والعقول ومن الحياة -أيضًا- مساحة أضخم وأوسع وأعمق مما تشغله (النظرية)، وتشمل -فيما تشمل- مساحة (النظريّة) ومادتها، ولكنها لا تقتصر عليها!
إن التصوّر الإِسلاميّ للألوهيّة وللوجود الكونيّ وللحياة وللإنسان، تصوّر شامل كامل، ولكنه كذلك تصوّر واقعي إيجابيّ!
قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)} (الإسراء)!

الصفحة 750