كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

وهذا هو أصدق ضروب الإيمان، فهو إيمان استجابة لدوافع الفطرة المطهَّرة التي لا تُدفع، وهو إيمان ينبع من الامتزاج بحياة قام بنيانها على الإخلاص المؤمن بكل حركة يشهدونها من النبي - صلى الله عليه وسلم - .. لم يكن إيماناً عن دعوة تبليغيّة منه - صلى الله عليه وسلم - لأسرته، ومجتمع بيته وأهله؛ لأنهم لم يكونوا في حاجة إلى دعوة وتبليغ، ضرورة تكيّفهم بكل ما يرون ويسمعون في هذا البيت الكريم، وضرورة تقبّلهم لكل ما يشهدون من الخير تقبّل الفطرة النقيّة، وطبيعة النشأة الحاكية، وتصديق الإيمان والإِسلام!
قال ابن إسحاق: فلمَّا أسلم أبو بكر - رضي الله عنه -، أظهر إسلامه، ودعا إلى الله وإلى رسوله، وكان أبو بكر رجلاً مألوفاً لقومه، محبّباً سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشرّ، وكان رجلاً تاجراً ذا خُلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه، وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الله وإلي الإِسلام، مَنْ وثق به من قومه، ممّن يغشاه، ويجلس إليه (¬1)!
قال: فأسلم بدعائه -فيما بلغني- عثمان بن عفّان .. والزبير بن العوّام .. وعبد الرحمن بن عوف ... وغيرهم!
وكان إسلام الصدّيق - رضي الله عنه - أوّل تحرّك إيجابيّ في سير الرسالة، وأوّل أثر عمليّ للدعوة التبليغيّة للإيمان بالله تعالى، وتصديق رسوله فيما جاء به من الحق والهُدى، وأوّل ثمرة جنيّة ظهرت في دوحة تبليغ الرسالة!
فقد آمن الصدّيق - رضي الله عنه - لحظة دُعي إلى الإيمان، لم يكن يتلبّث لينظر، ولم
¬__________
(¬1) السيرة النبويّة: ابن هشام: 1: 317.

الصفحة 761