كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

يتوقّف ليفكّر ويعزم، ولم يتردّد ليستشير ويستهدي، لأن دلائل صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت متوافرةً لديه، وكامنة في حنايا نفسه، ممتزجةً بحسّه وشعوره، تملأ قلبه وعقله وروحه!
وهنا يتجلّى للمتأمّل في أحداث الرسالة فيصل ما بين إيمان الفطرة النقيّة الصافية، التي نهد الإيمان معها، ونهضت معه، وهي ترى وتسمع شواهد الأحداث، ونداء الوقائع، ودلائل الإرهاصات، قبل تنزّل الرسالة، وبين إيمان العقل العليم الذي دُعي بين يدي براهين الصدق فاستجاب، وبُلّغ الرسالة فأجاب، ونظر فما استراب!
فإيمان الفطرة الذي سبقت به خديجة -رضي الله عنها - ومن معها في ساحة بيتها اطمئنان إلى نور الحق يغمر النفس، ويشغلها في حدود طاقتها بموجبات الإيمان الناشئ في مهد الرسالة، انتظاراً لما ينجلي عنه أفق الدعوة بظهور شمس الهداية، وإشراق أضوائها التي تظهر بها معالم الطريق إلى الله!
وإيمان العقل العلم، الذي دُعي إلى التصديق بالرسالة، وهو مغمور بأنوار دلائل صدق الداعي، وهداية الدعوة، فلبّي وأجاب، والذي بُلّغ بالرسالة، وهو يشهد بشائرها فاستجاب -إيقان الحق الذي دُعي إلى الإيمان به، وتحمّل مسؤووليّته في الدعوة إليه، وتبليغ رسالته!
ومن هنا كان إيمان أبي بكر - رضي الله عنه - إيمان الدعاء إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- وتبليغ الرسالة، وتحمّل مسؤوليّة النيابة والوراثة في هذا الدعاء والتبليغ، لتسير الرسالة في طريقها قويّة متحرّكة مع الزمن حركة إيجابيّة، تجذب القلوب والعقول إلى ساحة الإيمان بالله، والتصديق برسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وهكذا كان

الصفحة 762