كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

تنبئهم أن هذا الضّنّ والمنع ليس عبثاً وسخفاً وحرماناً عاجلاً فحسب، بل هو إلى ذلك جرم كبير، وشرّ مستطير: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (آل عمران: 180)!
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)} (التوبة)!
ألا فليوازن الكانزون بين شهوة الاكتناز ولذته الحاضرة العابرة، وبين عواقبه الوخيمة في الدار الآخرة!
هكذا زودنا القرآن الكريم بمجموعتين من الحقائق:
حقائق من عالم الغيب!
وحقائق من عالم الشهادة!
من شأن التأمّل فيها أن يحلّ عن قلوبنا عقدة هذا الحب الأعمى، وأن يطهّر ثيابنا من درن الطين اللازب!
غير أن هذا العلاج المزدوج، إن استطاع أن يحكّ من ثيابنا جرم هذا التراب، فلن يستطيع أن يمحو عنها آثاره، وان استطاع أن يحلّ عن قلوبنا عقدة هذا الحبّ، فلن يقطع عنا حباله!

الصفحة 783