كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

التنافس والتحاسد، ثم انشقاق الخصام، ثم تقطيع الأرحام، ثم سفك الدماء، ثم ما شئت من محن تتوارثها الأجيال!
والشح مرض وبائي سريع العدوى والانتقال .. وإذا تفشّى في أمّة، وقف دولاب حركتها، وتعوّق سير نهضتها، وبدأت الشيخوخة تدبّ في أعضائها، وطمع فيها أعداؤها، بل غدت نهباً للمطامع، وسلعةً يسومها كل مشتر وبائع!
الشح إذن داء تتولّد منه أدواء .. إنه عشّ تفرخ فيه الأورام، ووكر يسكن فيه وحي الشيطان، ينفخ الشيطان في روع صاحبه ليزّين له فاحشة البخل، وليجعله من خوف الفقر في فقر، يقول له:
أمسك عليك مالك، إن المال شقيق الروح، وعماد الحياة!
والله لا يأمر أحداً أن يبذل كل ماله، وأن يذر نفسه وعياله عالة يتكفّفون الناس، إنما يريد منا أن ينفق كلٌّ من فضل ماله، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، وذلك ليجعل متعتين وسعادتين:
متعة بالاستغناء عن الغير، ومتعة بإغناء الغير!
سعادة مباشرة نتذوّقها .. وسعادة أخرى هي صدى للسعادة التي ننشرها، والله بعد ذلك يعد المنفق خلفاً، والممسك تلفاً، على رغم أنف الشيطان: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)} (البقرة)!

فريضة الكسب:
هذا، والآيات الحكيمة تعالج من النفوس أبوابها المغلقة، حتى فتحت أغلاقها، وعقدها الموثقة، حتى حلّت وثاقها!

الصفحة 788