كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

كرهت إليها خلّة الضّنّ والإمساك، وحبّبت إلينا شيمة البذل والإنفاق -كما عرفنا- وما برحت تحبّبنا في هذه، وتبغضنا في تلك .. حتى خشينا أن يكون الانطلاق في بذل المال انطلاقاً إلى غير مدى، وأن يكون الزهد على غير هدًى .. وإذا بالحكمة القرآنيّة تضع الأمور في نصابها .. وإذا هي حين فتحت الكنوز أقامت الحرَّاس على أبوابها، لورودها وصدورها، وتنظيماً لوجوه توزيعها توزيعاً بالقسط، يوفّر على النفس حظها المقسوم، ويؤدّي للغير حقّه المعلوم، لا حرمان ولا تقتير، ولا إضاعة ولا تبذير، وكان بين ذلك قواماً!
هذه الوصيّة الثنائيّة، هل تراها وصيّة عاملة شاملة؟ وهل كل فرد من الناس أهل لأن يوجه إليه خطابها؟!
أليس في الناس المرزوق والمحروم؟!
أليس فيهم الواجد والفاقد؟!
فمن لم يجد ما ينفقه أو يمسكه، كيف يقال له: لا تمسك ولا تقتر، ولا تسرف ولا تبذر!
إنها إذن وصيّة واحدة لشَطر واحد من شطري الأمّة، فما خطب شطرها الثاني؟!
إنها وصيّة لأرباب الأموال، فما بال من لا مال له؟!
هل أعدّ القرآن الحكيم لهم وصيّة مقابلة؟!
نعم، وإنها بدورها لوصيّة ثنائية، تهدي كذلك إلى طهارة مزدوجة .. وصيّة من لم يجد، أن يجد ليجد، ثم وصيته ألا يتطلّع إلى ما في يد

الصفحة 789