كتاب الجامع الصحيح للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

الواجدين .. دعوة إلى شرف العمل الكاسب، الذي يغني صاحبه، وينشر الغنى من حوله على العاجزين، ثم دعوة إلى أشرف نوعي الغنى وأكرمهما!
يروي الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس الغنى عن كثرة العَرض، ولكن الغنى غنى النفس" (¬1)!
والتسامي عن موقف الحاجة والضراعة، وعن ذلّ السؤال والالتماس؛ بل عن التشهّي والتمنّي لما في أيدي الناس!
بهاتن الوصيّتين الذهبيّتن جاء الذكر الحكيم في آية، ما أحرانا أن نتدبّرها، وأن نزن أنفسنا بميزانها: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)} (النساء)!
يقول الله تعالى لهؤلاء الذين يمدّون أعينهم إلى ما عند غيرهم: إنكم في التماس الخير لأنفسكم، تتركون الفجاج الواسعة الآمنة، وتميلون إلى المسارب الضيّقة الموحشة .. إنكم تتركون النهر الدافق وتستقون من الغدير!
ما لكم وما في أيدي الناس؟!
فإنما من عندي نالوا رزقهم، وإن أبوابي مفتوحة لكم ولهم!
تحوّلوا عن هذا الطريق؛ فإنه طريق شائك غير مسلوك، وقد مهّدت لكم بدلا منه طريقين مسلوكين، فولوا وجوهكم شطرهما!
¬__________
(¬1) البخاري: 81 - الرقائق (6446)، والأدب المفرد (276)، ومسلم (1015)، والحميدي (1063)، وأحمد: 2: 243، 261، 315، 338، 389، 390، 438، والترمذي (2373)، وابن ماجه (4137)، وأبو يعلى (6259، 6583)، والطحاوي: شرح المشكل (6052)، والشهاب القضاعي (1207، 1210، 1211)، وابن حبان (679).

الصفحة 790