إرادة شرّ به، بل أراد سعياً في خيره، ونصرًا له على نفسه، هكذا سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري وغيره عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "انصُرْ أخاك ظالماً أو مظلوماً". قالوا: يا رسول الله! هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً، قال: "تأخذ فوق يديه".
وفي رواية: فقال رجل: يا رسول الله! أنصره إِن كان مظلوماً، أفرأيت إِذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإِن ذلك نصره" (¬1)!
بل إن المعجزة الرادعة التي تمحق طغيان البغي، لا يرى فيها القرآن خيراً للباغي فحسب، بل يرى فيها خير المجتمع كله، بل أساس حياته الصالحة، يقول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (البقرة: 179)!
ثم يرى في هذه العقوبة الرادعة ترضيةً محبوبةً للنفوس المؤمنة، الحريصة على صيانة الحق والعدل في الأرض، واستمع لأمر الله -سبحانه وتعالى-: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} (التوبة)!
هكذا، بعد أن وضع القرآن قانون المحبّة والرحمة، وجعله هو العزيمة الأولى، رخّص لنا عداوة من يستحقّ العداوة، وعقوبة من يستحقّ العقوبة!
¬__________
(¬1) البخاري: 46 - المظالم (2443، 2444)، وانظر (6952)، وأحمد: 3: 201، والترمذي (2255)، وعبد بن حميد (1401)، والبيهقي: 6: 94، 10: 90، وأبو نعيم: الحلية: 10: 405، وتاريخ أصبهان: 2: 14، والبغوي (3516، 3517)، والطبراني الصغير (576)، والقضاعي (646)، وابن حبان (5167، 5168).