زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم! فحلّق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببصره إِلى السماء، فقال: " أترون هذه الشمس؟ " قالوا: نعم، قال: "فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم، على أن تشتعلوا منها شعلةً" فقال أبو طالب: والله! ما كذبنا ابن أخي، فارجعوا (¬1)!
وذكر ابن إسحاق أن قريشاً حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإسلامه، وإجماعَه لفراقهم في ذلك وعداوتهم، مشَوْا إليه بعمارة ابن الوليد بن المغيرة، فقالوا له، فيما بلغني (¬2):
يا أبا طالب: هذا عُمارة بن الوليد، أنْهَدُ فتىً فتىً قريش وأجمله، فخذه ذلك عَقْله، ونَصْره، واتّخذه ولداً فهو لك، وأسْلِمْ إِلينا ابن أخيك، هذا الذي قد خالف دينَك ودين آبائك، وفرّق جماعة قومك، وسفّه أحلامهم، فَنَقْتله، فإِنما هو رجل برجل، فقال: والله! لبئس ما تسومونني! أُتعطُوني ابنكم أغذوه لكم، وأُعْطيكم ابني تقتلونه! هذا والله! ما لا يكون
¬__________
(¬1) ابن إسحاق: 155 بإسناد حسن، وقال الهيثمي: "المجمع: 6: 15 رواه أبو يعلى باختصار يسير من أوله، ورجاله رجال الصحيح، وانظر: فقه السيرة: الغزالي: 114 - 115، والسيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية: 167.
أما ما رواه ابن إسحاق بسند منقطع: 154، وابن هشام: 1: 329 - 330، وفيه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ": "يا عم، والله! لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته. قال: ثم استعْبَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبكى، ثم قام، فلمَّا ولّى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يا بن أخي، قال: فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فوالله! لا أُسلمك شيء أبداً"! والطبري: 2: 326، والكلاعي: الاكتفاء في مغازي المصطفى: 187 من طريق ابن إسحاق. ومع ذلك فالحديث مشهور، ونقله كثيرون!
(¬2) ابن هشام: 1: 330 بدون إسناد.