كتاب ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية

مؤامرة دار الندوة
قال ابن إسحاق-رحمه الله-: "ولما رأت قريش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم ... فحذروا خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار الندوة ... يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خافوه".
ثم قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر وغيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما أجمعوا لذلك واتّعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها ... فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل .. (¬1) "الخ.
وعلة هذا السند جهالة شيخ ابن إسحاق وقد سبق قول البيهقي (¬2): ابن إسحاق إذا لم يُسمِّ من حدثه فلا يُفرح به. وقد أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق فقال: "حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمَّد بن إسحاق، قال حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس ... (¬3) ".
وفي سند الطبري سقطت الواسطة بين ابن إسحاق وابن أبي نجيح وصرَّح ابن إسحاق فيه بالتحديث عنه، لكن في هذا الإسناد علّة هي: أن شيخ الطبري هو: محمَّد بن حُميد بن حيان الرازي، قال الحافظ في التقريب: (حافظ ضعيف) (¬4) وكذّبه أبو زرعة والنسائي وابن وارة. وقال صالح بن محمَّد الأسدي: ما رأيت أحدًا أحذق بالكذب منه ومن الشاذكوني (¬5)، وذكره
¬__________
(¬1) الروض الأنف (4/ 176).
(¬2) في قصة الفحل الذي عرض لأبي جهل.
(¬3) تاريخ الطبري (1/ 566).
(¬4) تقريب التهذيب (2/ 156).
(¬5) تهذيب التهذيب، وفيه: "قال إسحاق بن منصور الكوسج قرأ علينا محمَّد بن حميد كتاب المغازي عن سلمة، فقضى أني صرتُ إلى علي بن مهران فرأيته يقرأ كتاب المغازي عن سلمة فقلت له: قرأ علينا محمَّد بن حميد، قال: فتعجب علي وقال: سمعه محمَّد بن حميد مني" (9/ 129).

الصفحة 72