كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] فَأَمَدَّهُ الله بِالمَلائِكَةِ (1).
فهذا ما يشير إليه الناظم بقوله: «حَامِيهِ في يَومِ العَرِيشِ».
ثم ذكر الناظمُ رحمه الله منقبةً ثالثةً لأبي بكرٍ رضي الله عنه، فقال: «وَمَنْ لَهُ» يعني والذي له «في الغَاِر أَسْعَدَ» يعني في غارِ ثَوْرٍ، وهذا فيه إشارةٌ إلى ما حصل في قصَّةِ خروجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ من أجل الهجرةِ إلى المدينةِ، فقد خَرَجَا مستَخْفِين، فلجئا إلى الغارِ حتى يهدأ الطلب عنهما، حتى وصل إليهما الطلب في الغار يتتبعون أثرهما إلا أنَّ الله برحمتِه وحكمتِه أعمى بصائِرَهم وأبصارَهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبِه، وجعل من الأسباب ما يصرف أنظارهم وعقولهم عنهما.
وقد أشار الله عز وجل إلى هذا النصر بقوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} [التوبة: 40].
فأبو بكر رضي الله عنه أَسْعَدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم أَيَّمَا إسعادٍ، فقد أَسْعَدَهُ بصحبَتِهِ ومرافقَتِهِ وحمايتِهِ له، حتى إنَّه قد جاء في أخبار الهجرة أنَّ أبا بكر رضي الله عنه كان يمشي مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فتارةً يكون أمامه، وتارةً يكون خلفه، وتارةً عن يمينه، وتارةً عن يساره، فلما سأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن سببِ ذلك، قال: إني أذكر العَدُوَّ من الرَّصَد (2) فأكونُ أمامَك، وأذكر العَدُوَّ
__________
(1) أخرج القصة مطَوَّلَةً: مسلمٌ في «صحيحه» (3/ 1383 رقم 1763)، وأخرجها البخاريُّ (3/ 1067 رقم 2758) مختَصَرَةً.
(2) يقال: فُلانٌ يَخافُ رَصَدَاً من قُدَّامِهِ، وطَلَباً من وَرائِهِ، يعني: عَدُوًّا يَرْصُدُهُ ويَرْقُبُهُ.
ينظر: «أساس البلاغة» للزمخشري (1/ 233).

الصفحة 101