كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

عيسى بن مريم عليه السلام بقوله: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، وإضافة هذا اللقب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم «فَارُوقُ أَحْمَدَ» من باب التشريف والتكريم.
وقوله: «وَالمُهَذَّبُ بَعْدَهُ» أي: مهذب الأخلاق، فهو ذو الأخلاق الكريمة العالية، المنزه عن سفاسفها.
ولو قال الناظم: «فَارُوقُ أَحمَدَ والمُحَدَّثُ بَعْدَهُ» لكان أولى؛ لأنَّ هذا الوصف قد جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله: «لقد كان في الأُمَمِ قبلَكُم مُحَدَّثُون، وإن يكن في أُمَّتِي مِنْهُم أحدٌ فَعُمَر» (1)، فهو يُعرَفُ عند أهل العلم بـ «المُحَدَّث» يعني: المُلْهَم، ومن آثار تحديثه وإلهامه أنَّه وافق ربَّه في أحكامٍ عَدِيدَةٍ، فاقترح الصلاة خلف المقام، وعارض النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أراد -باجتهادٍ منه- أن يصلي على رأس المنافقين عبدِالله بنِ أُبَي ابنِ سَلُول، فأنزل الله: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)} [التوبة: 84] إلى غيرِ ذلكَ من موافقاته رضي الله عنه (2).
وقوله: «سَنَدُ الشَّرِيْعَةِ بِاللِّسَانِ وَبِاليَدِ» أي: حامي الشريعةِ، والمدافعُ عنها، والناصرُ لها، ومما يدل على ذلك كثرة الفتوح الإسلامية في عهده، وانتشار الإسلام في الأمصار، فكان رضي الله عنه عظيم الهَمِّ في نشر الإسلام، وتجهيز الجيوش لأجل ذلك، حتى إنَّه قد جاء عنه أنَّه كان
__________
(1) متفقٌ عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري (3/ 1279 رقم 3282)، (3/ 1349 رقم 3486)، ومسلم (4/ 1864 رقم 2398).
(2) جمع السيوطي (ت 911 هـ) موافقات عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ونظمها في منظومةٍ رجزيةٍ مختصرةٍ بلغت (19) تسعة عشر بيتاً، وسماها: «قطف الثمر في موافقات عمر»، وهي مطبوعة ضمن كتابه: «الحاوي للفتاوي» (2/ 5)، ولهذه المنظومة -مما وقفتُ عليه- شرحان مطبوعان:
الأول: «الدر المستطاب» لمفتي دمشق حامد بن علي بن إبراهيم العمادي الدمشقي الحنفي (ت 1171 هـ)، وزاد على ما ذكره السيوطي من موافقاتٍ، ونظم زوائده وشرحها في أثناء الكتاب، ثم ختم الشرح بذكر موافقات أبي بكرٍ الصديق وعلي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهما.
والثاني: «فيض الوهاب» لعلاَّمَةِ الشَّامِ في زمانه الشيخ محمد بدر الدين الحَسَني (ت 1354 هـ).

الصفحة 104