كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

على الموت» (1)، أي: على القتال حتى الموت، وبعضهم يقول: «بايعناه على ألاَّ نَفِرَّ» (2)، فبايعه الصحابةُ رضي الله عنهم، وتنافسوا في هذه البيعة، حتى إنَّ منهم من يُبَايِع ويخرج ليُبَايِعَ مرةً أخرى، وهذه البيعة هي «بيعة الرضوان» التي أشار الله عزَّ وجَلَّ إليها بقولِهِ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} [الفتح: 18]، فبايع الصحابةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكان عثمانُ غائباً، فلما جاءت نَوْبَةُ عثمان رضي الله عنه قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وهذه لعثمان» (3) ثم وضع يده الشريفة صلى الله عليه وسلم على الأخرى، وهذه والله فضيلة لعثمان وأيُّ فضيلة، أَنْ بايعَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عنه بيدِهِ الكَرِيمَة.
ومما يُذْكَرُ هنا أنَّه قيلَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: لعلَّ عثمان قضى نَهْمَتَه من البيت، وطاف وقضى عمرته، فلما رجع عثمانُ قيل له في هذا، فقال:
__________
(1) «المبايعة على الموت»: جاءت من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أخرجه البخاري (3/ 1081 رقم 2800)، ومسلمٌ (3/ 1486 رقم 1860)، ومن حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أيضاً، أخرجه البخاري (3/ 1081 رقم 2799)، ومسلمٌ (3/ 1486 رقم 1861).
(2) «المبايعة على عدم الفرار لا على الموت»: جاءت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أخرجه مسلمٌ (3/ 1483 رقم 1856)، ومن حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أيضاً، أخرجه مسلمٌ (3/ 1485 رقم 1858).
قال النووي في «شرح مسلم» (13/ 3) بعدما ذكر اختلاف الروايات: (وفي رواية عن ابن عمر في غير «صحيح مسلم» البيعة على الصبر، قال العلماء: هذه الرواية تجمع المعاني كلها، وتبين مقصود كل الروايات، فالبيعةُ على أن لا نَفِرَّ معناه: الصبر حتى نظفر بعدونا، أو نقتل، وهو معنى البيعة على الموت، أي: نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت، لا أن الموت مقصودٌ في نفسه).
وينظر أيضاً: «فتح الباري» (6/ 117 - 118).
(3) أخرجه البخاري (3/ 1352 رقم 3495).

الصفحة 106