كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

مع هؤلاء الستة انتهى أمر المسلمين إلى مبايعة عثمان، فبايعه عبدُ الرحمن بنُ عوفٍ، والبقيَّةُ، ثم بايعه النَّاسُ بعدَ ذلك، فتَمَّ له الأمرُ حينئِذٍ (1).
وهؤلاء الثلاثةُ أيضاً هم أفضلُ الصحابةِ، جاء عن ابن عمر رضي الله عنه في «الصحيح» أنَّه قال: «كنَّا نقولُ -ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ-: أفضلُ هذه الأمة بعد نبيها أبو بكرٍ، ثم عمرُ، ثم عثمان، وما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُنكِرُ ذلك» (2).
فهذا دليلٌ على أنَّ عثمان أفضلُ الصحابةِ بعد أبي بكرٍ وعمرَ، ثم يليهم في الفضل عليٌّ رضي الله عنه، وهذا مما وقع فيه شيءٌ من الخلافِ القديمِ، فمن السلف من قدَّمَ عَليَّاً رضي الله عنه، ومنهم من قَدَّم عثمانَ على عليٍّ، ومنهم من تَوقَّفَ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «العقيدة الواسطية» لما ذكر هذه المسألة: (لَكِن اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ) وهذا هو الصواب، فقد استقر الأمر على أنَّ أفضل الصحابة هم: أبو بكرٍ، ثم عمرُ، ثم عثمانُ، ثم عليٌّ رضي الله عنهم أجمعين، وعلى هذا مشى الناظمُ رحمه الله.
__________
(1) قصة مبايعته رضي الله عنه أخرجها البخاريُّ في «صحيحه» (3/ 1353 رقم 3497).
(2) أخرجه بهذا اللفظ: أبو داود في «سننه» (4/ 206 رقم 4628)، وإسناده صحيح، والأثرُ أصلُه عند البخاري (3/ 1337 رقم 3455) بلفظ: «كنا نُخَيِّرُ بين الناس في زَمَنِ النبي صلى الله عليه وسلم، فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ ابن الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي الله عنهم»، وقوله رضي الله عنه: «كنا نُخَيِّرُ بين النَّاس» أي نقولُ: فلانٌ خَيرٌ من فلانٍ.
وورد في بعض الروايات -كما عند ابن أبي عاصم في «السنة» (2/ 568 رقم 1196)، وأبي يعلى في «مسنده» (9/ 456 رقم 5604) وغيرِهما- زيادةٌ في آخِرِهِ: «فَيَبلُغ ذلكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فلا يُنْكِرُهُ».

الصفحة 108