كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

جُنَاحٍ؟ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خُذِي من مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ ما يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ» (1).
ومعاوية رضي الله عنه من الذين أسلموا بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة، بخلاف أبيه فإنَّه لم يُسْلِم إلا في فتح مكة، وقد اشتهر رضي الله عنه بجملةٍ من المناقبِ والأخلاقِ الفاضلةِ، فقد استَكْتَبَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم واتخذه أحدَ كُتَّابِ الوحي، وأمَّرَه عمرُ رضي الله عنه على الشام، فكان أميراً على الشام عشرين سنة حتى آل إليه أمرُ الخلافة سنة 40 هـ، فصار أميراً للمؤمنين عشرين سنة، فكانت مدة إمارته الخاصة والعامة أربعين سنة.
وقوله: «ولإبنِ هِنْدٍ في الفُؤادِ» يعني في القلب، «مَحَبَّةٌ وَمَوَدَّةٌ» المحبة والمودَّة معناهما واحدٌ أو متقاربٌ.
وقوله: «فَلَيَرْغَمَنَّ» اللام هنا لام القسم، يعني: فوالله لَيَرْغَمَنَّ من «الرَّغَام» الذي هو التُّراب.
وقوله: «مُفَنِّدِي» (2) يعني من يُنْكِرُ عليَّ، ويَعِيبُني على محبتي لمعاوية رضي الله عنه، ووقع في نسخةٍ: «فَلَيَرْغَمَنَّ المُعْتَدِي» وهي قريبةٌ في المعنى من سابقتها، فالمُفَنِّدُ للنَّاظِم على حُبِّهِ ومودتِه لمعاويةَ رضي الله عنه هو معتدٍ في تفنيده له، وهو أيضاً معتدٍ في بغضِه لمعاويةَ رضي الله عنه، وكأنَّ
__________
(1) متفقٌ عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه البخاري (2/ 769 رقم 2097)، ومسلم (3/ 1338 رقم 1714).
(2) الفَنَدُ -بالتحريك-: الخَرَفُ وإِنكارُ العَقْلِ لِهَرَمٍ أَو مَرَضٍ، والفَنَدُ الخَطَأُ في القولِ والرَّأْيِ، والفَنَد الكَذِبُ، يقال: فَنَّدَه تَفْنِيداً إذا كَذَّبَهُ وعَجَّزَهُ وخَطَّأ رَأْيَهُ وضَعَّفَهُ.
ينظر: «لسان العرب» (3/ 338)، و «تاج العروس» (8/ 505 - 506).

الصفحة 118