كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

قوله: «فَوقَ السُّهَا وَالفَرْقَدِ» وفي نسخة: «فَوقَ السَّمَا وَالفَرْقَدِ» وكأنَّ ذكر «السُّهَا» أنسب؛ لأنه كثيراً ما يُقْرَنُ بين السُّهَا والفَرْقَدِ، وهما نجمان معروفان، يعرفهما أهل الشأن، ويقال لهما من باب التغليب: «الفَرْقَدَان».
و «السُّهَا» يُقالُ إنَّه نجمٌ خَفِيٌّ، وأمَّا «الفَرْقَد» فهو نجمٌ نَيِّرٌ واضحٌ، يعرفه المهتمُّون بالنجومِ ومنازلِها (1).
ويحتمل أنَّ يكون قوله: «وَمَنْ حَوَى شَرَفَاً» كلاماً مستأنفاً يُبيِّن به النَّاظمُ أنَّ مَن حوى شَرَفَاً فقد عَلاَ فوق السُّهَا، يعني علا قَدْرُهُ وارتفعت منزلتُه، والإمامُ أحمدُ كذلك حوى شرفاً عظيماً؛ شرف العلم والتقى، وشرف الجهاد والصبر، فلا غرو حينئذٍ أن يَتَبَوَّأَ رحمه الله هذه المنزلةَ العظيمةَ.
ولعل هذا التوجيه هو الأقرب، وهو اعتبار أن هذه الجملة مستأنَفَة.
__________
(1) السُّهَا: بضم السين المهملة، هو كوكبٌ خَفِيٌّ في بنات نَعْشٍ الكبرى، والنَّاسُ يمتحنون به أبصارهم؛ لخفائه، وفي المثل: «أُرِيهَا السُّهَا وَتُرِيني القَمَرَ».
وأما الفَرْقَد: بفتح الفاء وإسكان الراء وفتح القاف، واحِدُ الفَرْقَدَين، والفَرْقَدَان نجمان لا يَغْرُبَان ولكنهما يَطُوفَان بالجَدي، وقيل: كوكبان قريبان من القطب، وقيل: كوكبان في بنات نعش الصغرى، وربما قالت لهما العرب: الفرقد.
والفرقدان يضرب بهما المثل في طول الصحبة والتساوي والتشاكل، ومن ذلك قول القائل:
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخوهُ ... لَعَمْرُ أَبِيْكَ إِلاَّ الفَرْقَدَان
ينظر: «صبح الأعشى» (2/ 181)، و «لسان العرب» (14/ 408) و (3/ 334)، و «تاج العروس» (8/ 491).

الصفحة 42