كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

قال الناظمُ رحمه الله:

16. قالوا: فَأَنْتَ تَرَاهُ جِسْمَاً؟ قُلْ لَنَا ... قُلتُ: المُجَسِّمُ عِنْدَنَا كَالمُلْحِد
قوله: «قالوا: فَأَنْتَ تَرَاهُ جِسْمَاً؟ قُلْ لَنَا»، وفي نسخةٍ: «جِسْمَاً مِثْلَنَا»، أي: هل أنت ممن يقول ويعتقد بأن الله جِسْمٌ؟ «قُلْ لَنَا» أي: بَيِّن لنا.
ثم أجاب الناظم عن هذا السؤال بقوله: «قلتُ: المُجَسِّمُ عِنْدَنَا كَالمُلْحِدِ» وظاهرٌ من جوابه أنَّه ينفي أن يكون اللهُ جِسْمَاً، وأن من قال: إنَّ الله جسمٌ فإنَّه كَالمُلْحِدِ، هذا جوابه.
ووَصْفُ الله عزَّ وجَلَّ بأنَّه جِسمٌ أو ليس بجسمٍ هو مما لم يتكلم به السلف، ولم يرد في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا اللفظ لا نفياً ولا إثباتاً، وهكذا أهل السنة لم يتكلموا في رب العالمين بمثل هذا، فلم يقولوا: إنَّ الله جِسْمٌ، ولا إنَّ الله تعالى ليس بجسمٍ، ولا يرتضون إطلاق هذا اللفظ في النفي ولا في الإثبات، وذلك لأمرين:
أولاً: أنه لم يرد وصف الله بهذا اللفظ لا نفياً ولا إثباتاً، وهم يقفون مع النصوص.
ثانياً: أن لفظ «الجسم» لفظٌ مُجْمَلٌ يحتمل معاني كثيرة، منها ما هو حقٌّ يمكن إضافته إلى الله عز وجل، ومنها ما هو باطلٌ لا تجوز إضافته إلى الله عز وجل.
فالجسم له معنى لغوي، وهو الجسد والبدن، كما يقولون: الجسم والروح، قال تعالى عن طالوت: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247].
وله أيضاً معان اصطلاحيَّةٌ عند المتكلِّمِين، منها: الموجود، والقائم بنفسه، والمركَّب من الجواهر المفردة.

الصفحة 56