كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

قال الناظمُ رحمه الله:

17. قَالُوا: فَهَل هُوَ في الأَمَاكِنِ كُلِّهَا؟ ... قُلتُ: الأَمَاكِنُ لا تُحِيطُ بِسَيِّدَي
قوله: «قَالُوا: فَهَل هُوَ في الأَمَاكِنِ كُلِّهَا» أي: هل الله في كلِّ مكانٍ، حالٌّ في شيءٍ من مخلوقاته؟ كما يقوله فريقٌ من الجهمية الحُلُولِيَّة الذين يقولون: إن الله بذاته حَالٌّ في كلِّ مكانٍ، تعالى الله عن قولهم عُلوًّا كبيراً.
فأجاب بقوله: «قُلتُ: الأَمَاكِنُ لا تُحِيطُ بِسَيِّدَي» وهذا الجواب يتضمن نفي الحلول، فالله سبحانه وتعالى عظيمٌ، أعظمُ من أن يحيط به شيءٌ من مخلوقاته؛ لأنَّ القول بالحلول يتضمن أنَّ المخلوقات تحوي الربَّ سبحانه تعالى وأنها محيطةٌ به.
وقوله: «لا تُحِيطُ بِسَيِّدَي» أي: بربي، فهو سبحانه السيِّد ذو الصفات العظيمة، وله العظمة والسيادة المطلقة.
فجواب الناظمِ رحمه الله يتضمن نفي الحلول، وأنه تعالى لا تحيط به الأماكن، وذِكْرُ «الأماكن» كنايةٌ عن المخلوقات؛ لأنَّ القائلين بالحلول يقولون: إنَّ الله في كلِّ مكانٍ، يعني: أنَّه في الأرض، وفي السماء، وفي باطن الأرض، تعالى الله وتقدَّسَ.
فإنَّ مطلق هذا القول يقتضي أموراً بشِعَةً قبيحةً، ولهذا رَدَّ عليهم الأئمةُ -كالإمام أحمد- بأن قولهم يتضمن أن الله في البطون، وفي الحشوش، وفي الأماكن المستَقْذَرة المستَقْبَحَة الرديئة (1).
وكفى بهذا دليلاً عقلياً على بطلان هذا المذهب الخبيث المنافي للعقل والشرع.
__________
(1) ينظر: «الرد على الزنادقة والجهمية» للإمام أحمد (ص 40).

الصفحة 59