كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

أخبر ولا ندري ما معناه، وهذا خلاف المأثور عن السلف فقد جاء تفسير الاستواء بألفاظٍ معروفةٍ: (علا، وارْتَفَعَ، واستَقَرَّ، وصَعِدَ) (1)، وقال الإمام مالك -كما تقدم-: (الاستواءُ معلومٌ) فلو أنَّ هذا السائل قال للإمام مالك: ما معنى الاستواء؟ لأمكن أن يقول: (علا وارتفع)، ولكن السائل كان مُعْتَدِيَاً في سؤاله فقال: كيف استوى؟ فأجاب بهذا الجواب المُحْكَم السَّدِيد، قال: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ولا أراك إلا رجلَ سُوءٍ) فأمر به فأُخْرِجَ، فاستعظم رحمه الله هذا السؤال المُنْكَر؛ لأنَّه تَكَلُّفٌ، وسؤالٌ عما لا سبيل إلى العلم به.

قال الناظمُ رحمه الله:

20. قَالُوا: النُّزُولُ؟ فقُلتُ: نَاقِلُهُ لَنَا ... قَومٌ هُمُ نَقَلُوا شَرِيعَةَ أَحْمَدِ (2)
المراد بـ «النزول» هنا النزول الإلهي الذي جاءت به النصوص، وتواترت به الروايات، ونقله الثقات، وهو نزول الرب إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر.
فقوله: «قَالُوا: النُّزُولُ؟» أي: ما تقول في نزولِ الربِّ عزَّ وجلَّ؟ هل تُثْبِتُهُ؟ أو تتأوَّله كما يقول المعطلة: تنزل رحمتُه، أو ينزل مَلَكٌ من الملائكة، أو نحو ذلك؟
__________
(1) ينظر: «تفسير الطبري» (1/ 454 - 458) ط: التركي، و «التمهيد» (7/ 131 - 132)، و «شرح أصول الاعتقاد» (3/ 397 - 400)، و «العلو للعلي الغفار» للذهبي (ص 73 و 153 و 159 - 160 و 180 و 186 و 205 و 231)، و «العرش» له أيضاً (2/ 9 - 16)، و «مختصر الصواعق» (3/ 888 - 946) مهم.
(2) وقع في بعض النسخ: «قَومٌ تَمَسُّكُهُمْ بِشَرْعِ مُحَمَّدِ».

الصفحة 63