كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

فأجاب بقوله: «قُلتُ: نَاقِلُهُ لَنَا قَومٌ هُمُ نَقَلُوا شَرِيعَةَ أَحْمَدِ» ومضمون هذا الجواب أن خبر النزول الإلهي إلى السماء الدنيا نقله لنا الرواة الثقات الذين نقلوا لنا الشريعة، فهم الذين نقلوا لنا الصلاة والزكاة والصيام والحج وأحكامها، فكيف نرد حديثاً ونقبل منهم أحاديث؟ لا شك أن هذا تناقض، فلا بد حينئذ من قبول ما رووه من الأخبار في النزول الإلهي (1).
وهذا الجواب أيضاً مضمونه أن النزول الإلهي حقٌّ وصدقٌ؛ لثقة النقلة وكثرتهم، فقد نقل حديث النزول جَمْعٌ من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر بعض العلماء (2) أنه نقله ثلاثون من الصحابة الكرام أو أزيد، فخبر النزول الإلهي متواترٌ لا مَدْفَعَ له (3).
__________
(1) ينظر: «الشريعة» للآجري (ص 254 - 255).
(2) قال ابن القيم كما في «مختصر الصواعق» (3/ 1108 ط أضواء السلف): (نزول الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا قد تواترت الأخبار به عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عنه نحو ثمانية وعشرين نفساً من الصحابة)، وفي (3/ 1125) سرد أسمائهم فزاد عليهم اثنين فبلغ بهم الثلاثين صحابياً، ثم ساق أحاديثهم حديثاً حديثاً.
هذا؛ وقد عُنِيَ بعض أهل العلم بجمع أحاديث النزول، منهم: الدارقطنيُّ في كتابه «النزول»، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «شرح حديث النزول»، وكذلك الإمام الذهبي له جزءٌ مفردٌ جَمَعَ فيه أحاديث النزول، وساق طرقها وتكلَّم عليها -كما أشار إلى ذلك في كتابه «العلو» (ص 91 و 100) -.
(3) نصَّ على تواتر أحاديث النزول جماعةٌ من أهل العلم، منهم: أبو زرعة الرازي كما في «السنة» لأبي الشيخ ابن حيان -ذكره العيني في «عمدة القاري» (7/ 199) -، وابن عبد البر في «التمهيد» (7/ 128)، وابن تيمية في مواضع متعددة من كتبه، ومنها: ما في «مجوع الفتاوى» (5/ 470)، والذهبي في «العلو» (ص 91 و 100)، وابن القيم كما في «مختصر الصواعق» (3/ 1108) و (3/ 1125)، وابن عبد الهادي في «الصارم المنكي» (ص 304) والكتاني في «نظم المتناثر من الحديث المتواتر» (ص 241).

الصفحة 64