كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

إن السنة متواترة في الدلالة على رؤية المؤمنين لربهم (1).
ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث جَرِير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا جُلُوسًا عِنْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَظَرَ إلى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قال: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا الْقَمَرَ لا تُضَامُونَ (2) في رُؤْيَتِهِ ...» (3).
وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال أُنَاسٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ هل نَرَى رَبَّنَا يوم الْقِيَامَةِ؟ فقال: «هل تُضَارُّونَ في الشَّمْسِ ليس دُونَهَا سَحَابٌ؟» قالوا: لا
__________
(1) نصَّ على تواتر أحاديث الرؤية جماعةٌ من أهل العلم، منهم: الأشعري في «الإبانة» (1/ 14)، وابن حزم في «الفِصَل» (3/ 3)، وشيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (13/ 35)، وفي «درء التعارض» (7/ 30)، وتلميذه ابن القيم في «حادي الأرواح» (ص 231)، والذهبيُّ في «السير» (2/ 167) و (10/ 455)، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 578)، وابن حجر في «الفتح» (8/ 384)، والكتاني في «نظم المتناثر» (ص 238 - 240)، وغيرهم.
(2) قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (3/ 18): (قوله: «هل تُضَامون» ورُوي «تُضَارون» -بتشديد الرَّاء وبتخفيفها، والتاء مضمومة فيهما-، ومعنى المشدَّد: هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه كما تفعلون أول ليلة من الشهر، ومعنى المخفَّف: هل يلحقكم في رؤيته ضَيْرٌ وهو الضرر.
وروي أيضاً: «تضامون» -بتشديد الميم وتخفيفها، فمن شدَّدَها فتح التاء ومن خفَّفَها ضَمَّ التاء-، ومعنى المشدَّد هل تتضامون وتتلطفون في التوصل إلى رؤيته، ومعنى المخفَّف هل يلحقكم ضَيمٌ وهو المشقة والتعب، قال القاضي عياض رحمه الله: وقال فيه بعض أهل اللُّغة: تضارون أو تضامون -بفتح التاء وتشديد الرَّاء والميم- وأشار القاضي بهذا إلى أن غير هذا القائل يقولُهما بضمِّ التاء سواء شدَّد أو خفَّفَ وكلُّ هذا صحيحٌ ظاهرُ المعنى) أ. هـ
(3) أخرجه البخاري (1/ 203 رقم 529)، ومسلم (1/ 439 رقم 633).

الصفحة 71