كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

فمذهب أهل السنة والجماعة حقٌّ خالصٌ، ومذهب الجهميَّة والمعتزلة مذهبٌ باطلٌ ليس فيه من الحقِّ شيءٌ، ومذهب الأشاعرة فيه حقٌّ وباطلٌ، فقولهم: (إنه يُرى بالأبصار) حقٌّ، وقولهم: (لا في جهة) باطلٌ.
فالمهم أنَّ الناظمَ رحمه الله أجاب بهذا الجوابِ المختَصَرِ: «رُؤيَتُهُ لِمَنْ هُوَ مُهْتَدِي»، وهذا الجواب جوابٌ مجمَلٌ لا تفصيل فيه، فلا يمكن من خلاله تحديد مذهب الناظم، هل هو جارٍ على مذهب أهل السنة من أنَّه تعالى يُرى بالأبصار، وأن المؤمنين يرون ربهم من فوقهم، أو أنَّه جارٍ على طريقة الأشاعرة من أنه تعالى يُرى لكن في غير جهة؟
فالجزم بهذا أو ذاك يحتاج إلى الرجوع إلى ما يوجد من كلامه في هذه المسالة في غير هذا الموضع (1).
ومن المسائل المتعلقة بالرؤية: أنَّ المؤمنين يتفاوتون في رؤيتهم لربهم عزَّ وجلَّ، فليسوا هم على درجةٍ واحدةٍ في ذلك، وقد جاء ما يدل على هذا.
وهذا هو موجَب حكمةِ الربِّ وفضلِهِ في جزاء أوليائِهِ، فلا يُسَاوَى مَن يكون في أدنى درجات الجنَّةِ بمَن هو في أعلى درجاتها من الأنبياء والصديقين والكُمَّل من أتباع الرسل، بل بينهم تفاضل في ذلك، فكما أنهم متفاضلون في الدرجات فكذلك هم متفاضلون في نظرهم إلى ربهم.
__________
(1) وقد وقفتُ على كلامٍ له في بعض كتبه صرَّح فيه بمذهبه في هذه المسألة، فقال في كتابه «التمهيد في أصول الفقه» (3/ 285) ما نصه: (وإجماعُنا أنَّ الله يُرَى لا في جهةٍ)، وهذا النصَّ صريحٌ في أنه جارٍ على مذهب الأشاعرة في هذه المسألة، وقد ورد عنه أيضاً إنكارُ الجهةِ لله عز وجل، فقال في كتابه «الانتصار» (2/ 173): (وفي استقبال الله سبحانه على الحقيقة لا يُتَصَوَّر معنى الابتلاء؛ لأنَّه سبحانه لا جهةَ له).

الصفحة 75