كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

هذا هو السؤال، أي: هل الله متكلِّمٌ؟ وهل هو موصوفٌ بالكلام؟.
فأجاب الناظم رحمه الله عن هذا السؤال بقوله: «قُلتُ: السُّكُوتُ نَقِيْصَةٌ بِالسيِّدِ»، ويفهم من هذا الجواب أنَّ الله متكلِّمٌ، خلافاً للجهمية والمعتزلة القائلين بأنَّه تعالى غيرُ متكلِّم، ولا يقوم به الكلام، بل لا تقوم به أيُّ صفةٍ من الصفات -تعالى الله عن قول الظالمين والجاهلين والمفترين علواً كبيراً- {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16].
فعدم القدرة على الكلام نَقِيصَةٌ وأيُّ نَقِيصَة، والله عز وجل قد احتجَّ على بني إسرائيل وبَيَّنَ لهم بطلان إِلهيَّة العِجْل بأنَّه لا يتكلَّم، والذي لا يتكلم يكون ناقصاً، والناقص لا يصلح أن يكون إلهاً، كما قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)} [الأعراف: 148]، وقال في الآية الأخرى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)} [طه: 88 - 89]، فالكلام ضده الخَرَس، والخَرَس عيبٌ وأيُّ عيبٍ، فالجهمية عطَّلُوه سبحانه عن صفات الكمال، ومنها الكلام.
وتعبير الناظم رحمه الله بـ «السكوت» هنا إما أن يكون أراد به الخَرَس، لكنه لجأ إلى التعبير بالسُّكُوت لأجل النظم، إذ لم يسعفه التعبير بالخَرَس، وإما أن يكون ممن يذهب إلى أن الله تعالى لا يوصف بالسكوت.
وثَمَّةَ فَرْقٌ بين الخَرَسِ والسكوت، فـ «الخَرَس» هو العَجْزُ وعدمُ القدرة على التكَلُّم، فالأخرس كالأبكم، وأمَّا «السكوت» فهو ترك الكلام ممن هو قادرٌ عليه، فالقادر على الكلام يتكلَّم إذا شاء ويَسْكُت إذا شاء.

الصفحة 80