كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

القيامة، فقال تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)} [القصص: 62 و 74]، وقال: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65].
فأهل السنة عندهم أنَّ كلام الله صفةٌ قائمةٌ به، تابعةٌ لمشيئته، فهي صفةٌ ذاتِيَّةٌ فعليَّةٌ، وأنَّه سبحانه يتكلَّم بصوتٍ يسمعُه مَن شاء سبحانه وتعالى، فموسى كلَّمَه ربُّه فسَمِعَ كلامَ ربِّه منه إليه بلا واسطة، ولكن من وراء حجاب، وليس كلام الله ككلام البشر أو أحدٍ من الخلق، كسائر صفاته سبحانه وتعالى، وهذا مذهبُ أهلِ السُنَّة والجَمَاعَة في صفة كلام الله عز وجل.
وإذا كان الله عز وجل يتكَلَّم إذا شاء كيف شاء، فهذا يقتضي أنَّه سبحانه يتكلَّم إذا شاء ولا يتكلَّم إذا شاء، وهذا هو السكوت، ومما ورد في نسبة «السكوت» إلى الله عز وجل قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله فَرَضَ فرائضَ فلا تضيِّعُوها، وحَدَّ حدوداً فلا تَعْتَدُوها، وسَكَتَ عن أشياء رحمةً بكم غير نِسيَان فلا تسألوا عنها» (1).
__________
(1) أخرجه الطبراني في «الكبير» (22/ 221 رقم 589)، وفي «مسند الشاميين» (4/ 338 رقم 3492)، والدارقطني في «سننه» (4/ 184 رقم 4350)، وأبو نعيم في «الحلية» (9/ 17)، والبيهقي في «الكبرى» (10/ 12 - 13)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (2/ 9) جميعهم من طريق مكحول عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه مرفوعاً، وهذا إسنادٌ منقَطِعٌ، فإنَّ مكحولاً لم يصحَّ له سماعٌ من أبي ثعلبة، كما قاله غير واحد من الحفاظ.
إلا أنَّ للحديث شاهداً حسناً من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، أخرجه البزَّار في «مسنده» (10/ 26 رقم 4087) وقال: إسناده صالحٌ، والدارقطني في «سننه» (2/ 137)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 375) وقال: صحيح الإسناد، والبيهقي في «الكبرى» (10/ 12 رقم 19508).
وعلى هذا فالحديث حسنٌ بشواهده، وقد حسَّنَهُ النوويُّ في «الأربعين» (رقم 30)، والحافظُ أبو بكرِ ابنُ السمعاني في «أماليه» -قاله ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» -،وغيرهما، والله أعلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (6/ 179) بعد أن أورد حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه: (ثبت بالسنة والإجماع أن الله يوصف بـ «السكوت»، لكن السكوت يكون تارة عن التكُّلم وتارة عن إظهار الكلام وإعلامه).

الصفحة 83