كتاب شرح القصيدة الدالية للكلوذاني

ليس له فيها مشيئةٌ ولا اختيارٌ بل ولا قدرة، فأفعاله إنما هي حركاتٌ آليَّةٌ، مثل حركة الآلة التي هي جمادٌ ليس لها إرادةٌ ولا مشيئةٌ، وإنما تتحرك بحسب ترتيب من صَنَعَها.
فهؤلاء يقولون: إنَّ أفعال العباد مخلوقةٌ لله، وهذا حقٌّ، أما قولهم: إنها ليست أفعالاً للعبد حقيقة، وأنَّ إضافتَها ونسبتَها إليه نسبةٌ مجازيَّةٌ، وأنَّ العبدَ لا مشيئةَ له ولا اختيار، فهذا باطلٌ.
ويقابل الجبريةَ المعتزلةُ، فإنَّ المعتزلةَ ينفون القَدَرَ، فيُخْرِجُون أفعال العباد عن أن تكون بمشيئة الله وقدرتِه وخلْقِهِ، فأفعالُ العِبَادِ عندهم ليست واقعةً بمشيئةِ الله ولا بقدرتِه، ولا هي خَلْقٌ من مخلوقات الله، فيُخْرِجُون أفعال العباد عن مُلْكِ الله وعن خلقه.
فالمعتزلةُ «نفاةُ القَدَر» عندهم أنَّ أفعال العباد خارجةٌ عن مُلْكِ الله وقدرتِه ومشيئتِه، بل العبدُ عندهم هو الذي يخلُقُ فِعْلَ نفسِه بمشيئةٍ هو فيها مستَقِلٌّ عن مشيئَةِ الله، فالعبدُ يشاءُ ولو لم يشأ اللهُ.
وعلى مذهبهم الباطل فإنَّ الله لا يقدر على أن يجعل المطيع عاصياً، ولا العاصي مطيعاً، ولا الكافر مؤمناً، ولا المؤمن كافراً، فمذهبهم يتضمن تَعْجِيزَ الرَّب، وأنه غيرُ قادرٍ، وأنَّه يقع في ملكِه ما لا يريد، فهذان المذهبان على طرفي نقيض.
وأما الأشاعرةُ فالمشهور من مذهبهم أنَّ أفعالَ العِبَادِ مخلوقةٌ لله، كما يقول الجبرية، بل وكما يقول أهل السنة أيضاً؛ لأنَّ أهل السُّنَّة يقولون: هي مخلوقة لله، لكن الأشاعرة لا يقولون: إنها أفعال للعباد بل هي كسبٌ منهم، وهذا هو المراد بـ «كَسْبِ الأَشْعَري» وهو أحدُ الثلاثةِ التي لا حقيقة لها -وهي: «كَسْبُ الأشعريِّ» و «أحوالُ أبي هاشِمٍ»

الصفحة 90